[size=35][b]لا تكرهوا الفتن فإن فيها حصاد المنافقين
الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بسند ضعيف أنه قال: لا تكرهوا الفتن فإن فيها حصاد المنافقين. ومعنى هذا الكلام النبوي أن المسلمين عندما يكونوا في أمن وطمأنينة وعندما تكون الفتن بعيدة عنهم ينبغي أن يستعيذوا بالله منها كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وقعت الفتنة فليعلم المسلم أن لله عز وجل في ذلك حكمة وأنها في الظاهر فتنة وابتلاء ولكنها في الباطن منحة ونعمة من النعم الخفية، هذه النعمة الخفية يشير إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إذ يقول: فإن فيها حصاد المنافقين، أي إن المنافقين عندما يكونون في ظلٍّ من الأمن والطمأنينة ورغد العيش فإن نفاقهم يختفي ولا يستبين لأنهم لا يُكلَّفون بمغرمٍ إسلامي يدفعونه وإنما هي المغانم يقتطفونها مع إخوانهم المسلمين الصادقين ولكن إذا انتابت المجتمعَ الإسلامي هِزَّةٌ وتسرب إليها زلزالُ فتنة فعندئذٍ يختفي غطاء النفاق ويتجلى ما هو مستكن في القلوب فهذا هو المعنى الذي أراده المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: فإن فيها حصاد المنافقين. قلتُ لكم إن الحديث مرويٌّ بطرق ضعيفة ولكن بيان الله عز وجل في محكم تبيانه يدعم هذا الحديث ويقويه. هنالك آيات كثيرة يبين الله سبحانه وتعالى فيها الحكمة من الفتن التي يبعثها بين الحين والآخر في حياة المجتمعات الإسلامية، إنه يقول مثلاً: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران: من الآية166-167]، لاحظوا كيف أن البيان الإلهي يوضح لنا الحكمة من الابتلاء أو الفتنة التي أصابت المسلمين ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم، ما الحكمة؟ أجاب البيان الإلهي عن ذلك { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا } أي ليستبين علم الله الخفي السابق حقيقة ساطعة واضحة للناس جميعاً، وتأملوا في قوله عز وجل: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: من الآية179}، وتأملوا في قوله عز وجل: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران: من الآية120] وانظروا إلى قوله سبحانه وتعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ، وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 138-141]. أرأيتم كيف أن البيان الإلهي جاء تبياناً لسنة من سُنَنِ الله في الكون عبَّرَ عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: لا تكرهوا الفتن، أي بعد وقوعها، فإن فيها حصادَ المنافقين. وإنكم لترون مصداق كلام رسول الله بل مصداق كلام الله سبحانه وتعالى في الآيات التي ذكرتهــا ، و في هذا المنعطف الخطير الذي تمر به أمتنا الإسلامية عامة وفى السودان خاصــة. ما رأيت مظهراً من مظاهر النفاق تفوح رائحته النتنة كالمظهر الحالي؛ عندما يستعلن الذين يبينون للناس مظاهر إسلامهم ويمضغون شعاراته وكلماته في كل مناسبة عندما يجدون عدواً لله ولرسوله ولعباد الله المؤمنين قد استشرى طغيانه واتجه بالطغيان الذي يشبه هذا الطغيانَ الهمجي الذي نراه اليوم يكون موقفهم هو الانحياز إلى العدو، يكون موقفهم دعم هذا العدو إن بالكلام وإن بالفعل وإن بالسكوت، والساكت على ظلم الظالم إنما يعتبر سكوته لوناً من أخطر ألوان الدعم له. ما رأيت نفاقاً تبرز حقيقته وتنتشر رائحته كالنفاق الذي تظهر دلائله في هذا الأمر، إنها مخالفة حادة لأمر الله سبحانه وتعالى القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: من الآية1]، آيات كثيرة كلها تحذير للمسلمين الصادقين من أن يعرضوا عن الانتصار لإخوانهم المسلمين ثم يتجهوا بالانتصار إن باللسان أو باليد أو بالصمت لأعداء الله سبحانه وتعالى وأعداء عباده المسلمين، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما رواه الحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن عباس: من أعان ظالماً ليدحض بباطله حقاً فقد برئت منه ذمةُ الله ورسوله، وقد المصطفى صلى الله عليه وسلم المعنى ذاتَه بألفاظ أخرى في حديث آخر من أعان ظالماً سُلِّطَ عليه. آيات بيِّنات من كتاب الله عز وجل تحذر المسلمين من أن يعرضوا عن الانتصار لإخوانهم المسلمين عندما يحيق بهم البلاء وعندما تدور عليهم رحى الظلم يحذر الله عز وجل المسلمين من أن يعرضوا عن إخوانهم المسلمين فى جنوب الوطن الواحد وإن قسم سياسيآ ، ثم يتجهوا بالدعم والانتصار لأعداء الله سبحانه وتعالى {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: من الآية22]، عباد الله أنا لست أخشى من خلال هذا الطغيان المستشري الذي ترون أو الذي تسمعون، هذا الطغيان الذي لعل التاريخ الغابر لم يشهد له مثيلاً قط، هذا الطغيان الذي يتجه بالإفساد إلى الحرث والنسل ويتجه للقضاء على الحياة الآمنة البريئة المطمئنة دون حساب ودون توقف، نعم أنا لا أخشى على الإسلام من هذا الطغيان قط، لاشك أن هذا الطغيان سيعود وباله عليه ولاشك أن لله عز وجل في عباده سنناً تدل على أن الباطل له جولة ولكن جولته ستعود عليه بالوبال {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: من الآية17].[/size][/b]