المفهوم الشمولى للعلمانية
العلمانية تعتبر أن المجتمع والدولة يجسدان علاقات اجتماعية وليست علاقات دينية ... فالعلمانية لا تلغي الدين ولا الممارسات الدينية ... بل تخرج السياسة والتنظيم الإجتماعي من حيز الممارسة الدينية كما تخرج الأخيرة من الحيز الإجتماعي والسياسي بمعنى أنها تقوم على فكرة فصل الدين من الدولة .
بعبارة أدق " العلمانية تحرر الدين من قيود الدولة وتحرر الدولة من قيود رجال الدين " ....
ويمكننا تعريف الدولة العلمانية ( المدنية ) بأنها الدولة التي تنتقل فيها سلطات الحكم والإدارة والتشريع والتعليم ... من المؤسسات والمحافل الدينية الى الهيئات المدنية والتي تحاول بدورها تنظيم شؤون المجتمع وفقا للأساليب العلمية بما يكفل توفير الرفاهية للمجتمع بأكمله في وطن يمكن للناس ان يلتقوا فيه كمواطنين ... دون أي اعتبار للفروق في العنصر أو العقيدة ... فالدولة العلمانية لا ينص دستورها على دين او مذهب تتبعه حكومتها ... ويتساوى مواطنوها على إختلاف عقائدهم الدينية في جميع الحقوق
كما تقر العلمانية بحرية المواطن الدينية وتحترم في كل إنسان حقه الجوهري في إختيار الحقيقة التي تنير حياته ما دامت لا تتعارض مع النظام العام للمجتمع ... فالعلمانية في جوهرها العميق ترادف حرية الإعتقاد والتعبير
ويعود استخدام مصطلح " دولة " بمعناها العلماني الحديث الى المفكر الإيطالي الشهير " ميكيافيلي" ... فالدولة عنده سلطة إقليمية علمانية تدوم وتبقى برغم تغير الحكومات المفردة ... وبرغم التخلي عن تأييد الكنيسة بخلاف ما كان يحدث في العصور الوسطى بأوروبا الإقطاعية ...
و تتعدد صور العلمانية - من حيث الممارسة والتطبيق - على أرض الواقع ... وتتباين إختلافا فيما بينها ... فالعلمانية ليست نظام او أيدولوجيا ... حيث أن العلمانية كمفهوم يمكن ان تتبناه فلسفات متباينة ... من أشد الفلسفات مثالية ... الى أكثر الفلسفات مادية .
وبشكل عام يمكن القول ان العلمانية عرفت في التاريخ الحديث أربعة أشكال أساسية :
أولها وأقدمها علمانية الغرب الرأسمالي بعد الثورة الفرنسية التي فصلت التعليم الديني عن التعليم العام ولم تعد الكنيسة عنصرا في بناء الدولة .
والشكل الثاني هو علمانية الشرق الإشتراكي التي كرست العلمانية الغربية وأضافت اليها إختصاص الدولة بمختلف الخدمات الإجتماعية التي كانت تقوم بها الكنيسة ... وقدمت البديل للتعليم الديني وهو الإشتراكية العلمية .
وفي كلتا التجربتين كان القاسم المشترك هو المساواة بين المواطنين بغض النظر عن أديانهم وأجناسهم وألوانهم .
أما الشكل الثالث فهو علمانية الفاشية والنازية ... التي آمنت بتفوق العرق أو العنصر على ما عداه .. بما في ذلك الدين ... لذلك قامت الهتلرية والموسيلينية بحربها الكبرى برفقة اليابان وتركيا ضد الغرب الليبرالي والشرق الإشتراكي على السواء .
اما الشكل الرابع فهو العلمانية التابعة التي يدعونها بالأتاتوركية - نسبة الى كمال أتاتورك - وهي العلمانية التي تذيب الخصوصية الوطنية لهوية الشعب في خضم هويات حضارية أخرى ...فيصبح شعبا ممسوخا .. لا هو الشعب الذي كان ولا هو الآخر الذي يتبعه ... انها احدى عناصر الأيديولوجية التابعة .
وبالفعل وعلي عكس ما هو شائع العلمانية منهج لادارة الدولة المدنية
والعلمانية أخلاقية تهتم بالقيم الأخلاقية وليست فوضي كما يروج البعض
والعلمانية ليست ضد الدين بل توفر مناخا ديمقراطيآ يتاح فيه حرية الإعتقاد ) من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )
ولكن الدين يمثل علاقة بين الإنسان وخالقه وللناس ممارسة شعائر ديانتهم بحرية كاملة .
والعلمانية تدعو للدولة المدنية الديمقراطية والتى تعتمد على العلم
( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )
العلمانية تقف ضد الدولة الدينية بجبروتها وإستبدادها الطبيعي
بتسييسها للدين وفق فكر إنسانى محدود وموجّه يعطى طلاءآ من الشرعية
المستمدة بقوة السلاح لفرض معادلة لامتوازنة وفق المعيار الدينى دون العلمى ( تضارب بين ثوابت الدين ومتغيرات العلم الآنية )
( أنتم أعلم بشؤون دنياكم )
ونحن أحق بالعلم والعولمة والعلمانية محصنة بأطر القيم الدينية من التفسخ والتحلل والتطرف والإنزواء .